من بين عشرات الآلاف من جمعيات المجتمع المدني الموجودة بالمغرب، لا يتمتع منها إلا عدد محدود بصفة المنفعة العامة التي تمنح للجمعيات وفق شروط ومساطر معينة، وهو ما يعتبره كثير من الجمعيات من الأسباب المعيقة للتنمية خاصة المحلية منها لاعتبارها غير معترف بها بصفة المنفعة العامة وبالتالي لا تستفيد من الدعم الموجه للجمعيات.
لا يمكن إعطاء صفة المنفعة العامة لكل الجمعيات وأنها تمنح فقط للجمعيات التي تستوفي شروط الاعتراف بصفة المنفعة العامة والتي لديها إرادة قوية للتدخل بكيفية قوية في مجال من المجالات التي لها علاقة بالصالح العام.
فما هي إذن شروط الاعتراف بصفة المنفعة العامة؟؟ وما هي الوثائق التي يجب الإدلاء بها؟ وماهي امتيازات الاعتراف بهذه الصفة؟ أسئلة وأخرى سنحاول الإجابة عنها من خلال هذا المقال.
أولا: شروط الاعتراف بصفة المنفعة العامة
يجب أن تتوافر في كل جمعية تسعى للحصول على اعتراف السلطات العمومية لها بصفة المنفعة العامة على الشروط التالية:
- أن تؤسس طبقا لأحكام الظهير الشريف رقم 376.58.1 الصادر بتاريخ 3 جمادى الأولى 1378 (15 نوفمبر 1958) كما تم تغييره وتتميمه.
- أن يكون تسيير الجمعية وفقا للأحكام التي ينص عليها نظامها الأساسي، والأنظمة الأخرى المعتمدة من قبلها ولاسيما ما يتعلق منها بطريقة اتخاذ القرارات، واختصاصات الأجهزة، ودورية اجتماعاتها، والتقيد بقواعد التدبير الإداري والمالي.
- أن تتوافر الجمعية على قواعد تنظيمية واضحة، تكفل لجميع أعضائها المشاركة في التدبير والإدارة من خلال إقرار قواعد منصفة بالنسبة لجميع الأعضاء تكفل لهم المشاركة في اتخاذ القرار على صعيد الأجهزة التداولية للجمعية، وتحدد بكيفية واضحة توزيع المسؤوليات بينهم.
- أن تتوافر لديها الموارد المالية التي تمكنها على وجه الخصوص من إنجاز المهام المحددة في نظامها الأساسي، والتي تكتسي طابع المصلحة العامة. ومن أجل ذلك، يجب أن تتوافر للجمعية الوسائل المادية والمالية التي تضمن لها إنجاز الأهداف المحددة في نظامها الأساسي، ولاسيما منها تلك التي تروم إلى تحقيق مصلحة عامة أو الإسهام في تحقيقها.
- أن تسعى الجمعية إلى تحقيق أهداف لها طابع المصلحة العامة سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي أو الوطني.
- أن تمسك الجمعية محاسبة تسمح بإعداد قوائم تركيبية تعكس صورة صادقة عن ذمتها ووضعيتها المالية ونتائجها، وفقا للشروط المحددة بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالمالية. وفي انتظار صدور هذا القرار يتعين على رئيس الجمعية أن يقدم القوائم التركيبية المتعلقة بممتلكات الجمعية، وكذا قيمة العقارات والمنقولات التي تمتلكها.
- أن تلتزم بتقديم المعلومات المطلوبة والخضوع للمراقبة الإدارية المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
- يتعين على كل جمعية معنية الالتزام بتقديم جميع المعطيات والمعلومات التي تطلبها الإدارة، ولاسيما المتعلقة منها بنشاط الجمعية وبرامجها ومشاريعها والاتفاقيات التي تبرمها. كما يتعين عليها أن تلتزم بضرورة الخضوع إلى المراقبة التي تعتزم الإدارة وهيئات المراقبة الأخرى بما فيها المحاكم المالية، القيام بها من أجل التأكد من طبيعة نشاط الجمعية وأهدافها، وطريقة تدبيرها الإداري والمالي في نطاق احترام الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
ثانيا: الوثائق التي يجب الإدلاء بها للحصول على صفة المنفعة العامة:
يمكن لكل جمعية تتوافر على الشروط المشار إليها أعلاه أن تقدم طلبها للحصول على صفة المنفعة العامة، بعد مداولات خاصة بذلك من قبل جهازها المختص طبقا لأنظمتها الأساسية، سواء تعلق الأمر بمكتب الجمعية أو جمعها العام أو أي جهاز أخر مؤهل للبت في مسألة تقديم هذا الطلب.
ويتعين عليها لهذه الغاية، إيداع طلبها مقابل وصل بذلك، لدى العامل الذي يوجد في دائرة نفوذه الترابي المقر الرئيسي للجمعية، بواسطة رئيسها أو أي شخص آخر مفوض له ذلك. ويجب أن يرفق هذا الطلب بنسختين من الوثائق والمستندات التالية:
1- الوصل النهائي لإيداع ملف تأسيس الجمعية.
2- النظام الأساسي والنظام الداخلي للجمعية، يكونان محينين.
3- قائمة الأعضاء المسؤولين عن إدارة الجمعية مع الإشارة إلى جنسيتهم ومهنتهم ومحل إقامتهم وعناوينهم، وعند الاقتضاء، نسخة من وصل آخر تجديد لمكتب الجمعية، وبيان عناوين فروعها.
4- تقرير عن أنشطة الجمعية يبين إنجازاتها منذ إحداثها وبرنامج عملها التوقعي للسنوات الثلاثة القادمة.
5- القوائم التركيبية لذمة الجمعية ووضعيتها المالية ونتائجها، وكذا قيمة الممتلكات المنقولة وغير المنقولة التي تملكها الجمعية، وتلك التي تعتزم امتلاكها مستقبلا.
6- نسخة من محضر مداولات الجهاز المختص في الجمعية الذي يأذن بتقديم طلب الاعتراف بصفة المنفعة العامة لفائدة الجمعية المعنية، مصحوبا بقائمة الأعضاء الحاضرين.
ويجب أن تكون الوثائق والمستندات المشار إليها أعلاه مشهودا على مطابقتها لأصولها.
ثالثا: مسطرة دراسة طلبات الاعتراف بصفة المنفعة العامة:
بعد إيداع طلب الاعتراف بصفة المنفعة العامة من قبل جمعية معينة، يأمر السيد العامل بإجراء بحث مسبق، تقوم به المصالح التابعة له، حول أهداف الجمعية ووسائل عملها، ويبعث به إلى الأمانة العامة للحكومة، (مديرية الجمعيات والمهن المنظمة) مرفقا بالوثائق والمستندات المشار إليها أعلاه، ومصحوبا بتقرير يتضمن نتائج البحث الإداري الذي أنجزته المصالح التابعة له بالإضافة إلى ملاحظاته بخصوص صبغة المصلحة العامة التي تسعى الجمعية إلى تحقيقها من خلال نشاطها، وذلك داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ إيداع الطلب، حتى يتسنى التقيد بأجل ستة أشهر التي حددها المشرع.
ويشمل هذا البحث مجموع الجوانب المتعلقة بأنشطة الجمعية ومنجزاتها، ومدى التزامها بالضوابط والقواعد المنصوص عليها في أنظمتها الأساسية، ولاسيما ما يخص انتظام انعقاد جموعها العامة، وكذا وسائل عمل الجمعية، وخصوصا منها الوسائل المادية والمالية والبشرية التي تتوفر عليها.
وتجدر الإشارة إلى أن مصالح الأمانة العامة للحكومة، بعد دراستها لنتائج البحث الإداري المشار إليه، وتأكدها من استيفاء الجمعية لجميع الشروط السالفة الذكر، ودراستها للوثائق المرفقة بطلب الجمعية، واستشارة الوزير المكلف بالمالية والسلطات الحكومية المعنية بأهداف الجمعية، تقوم بعرض نتائج دراستها على السيد الوزير الأول لاتخاذ القرار الذي يراه مناسبا في الموضوع.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن صفة المنفعة العامة تمنح، إذا اقتضى الحال، بواسطة مرسوم يحدد في الوقت نفسه القيمة الإجمالية للعقارات والمنقولات التي يمكن للجمعية أن تمتلكها. ترسل نسخة من هذا المرسوم الذي ينشر بالجريدة الرسمية إلى الجمعية المعنية.
رابعا: امتيازات الحصول على صفة المنفعة العامة:
الجمعيات التي اعترف لها بصفة المنفعة العامة تتمتع بمجموعة من الامتيازات المالية والضريبية الخاصة التي لا تتوفر لغيرها من الجمعيات المدنية:
- على المستوى الضريبي:
- خصم المبالغ المالية الممنوحة من طرف الجهات المانحة والمتبرع بها لصالح الجمعية، إما من ناتجها الصافي (بموجب الضريبة على الشركات إذا كانت أشخاصا معنويين)، أو من الدخل الإجمالي الخاضع للضريبة (بموجب الضريبة على الدخل إن تعلق الأمر بأشخاص ذاتيين).
- الاستفادة من الإعفاء الضريبي على القيمة المضافة على الخدمات التي تقدمها الجمعية وكذا على السلع، والأشغال، والخدمات المؤداة إلى هؤلاء الجمعيات على حد سواء.
- على المستوى المالي:
- تلقي الجمعيات لهبات أو وصايا، وذلك في الحدود المسموح بها بموجب الظهير الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958.
- طلب الدعم المالي من الدولة بصفة مباشرة دون اللجوء مثلا إلى السلطات المحلية، والحصول على الدعم من القطاعات الوزارية في إطار البرامج الحكومية. كما لها الحق كذلك الحق في طلب دعم الشركات الخاصة.
- الاستفادة، تلقائيا وبصفة سنوية، من التماس الإحسان العمومي، شريطة أن يسبق ذلك التقدم بإعلان لدى الأمانة العامة للحكومة، وأن ينص على ذلك المرسوم القاضي بالاعتراف لها بصفة المنفعة العامة. ويقصد بالإحسان العمومي كل طلب يوجه إلى العموم قصد الحصول بوسيلة ما على أموال أو منتوجات أو أشياء تقدم كلا أو بعضا لفائدة مشروع خيري أو هيئة أو أفراد آخرين، ولنا عودة إلى موضوع الإحسان العمومي في تدوينة خاصة.
خامسا: الالتزامات القانونية والمالية للجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة
في مقابل كل هذه الامتيازات التي تتمتع بها الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة والتي تمت الإشارة إليها في الفقرة السابقة إلا أنه يجب عليها أن تتقيد بالالتزامات القانونية المنصوص عليها في الظهير الشريف رقم 376.58.1 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378) 15 نوفمبر 1958) كما تم تغييره وتتميمه، ولاسيما من خلال:
- مسك محاسبتها وفق الشروط المحددة في البند 2-1 من هذا المنشور.
- أن ترفع إلى الأمين العام للحكومة تقريرا سنويا يتضمن أوجه استعمال الموارد التي حصلت عليها خلال سنة مدنية، ويجب أن يكون هذا التقرير مصادقا عليه من لدن خبير محاسب مقيد في جدول هيئة الخبراء المحاسبين، يشهد بصحة الحسابات التي يتضمنها.
وعلاوة على ذلك، فإن الجمعيات، بما فيها تلك المعترف لها بصفة المنفعة العامة، التي تتلقى إعانات عمومية بكيفية دورية، ملزمة بضرورة تقديم ميزانيتها وحسابها إلى الجهة المانحة.
وطبقا لأحكام الفصل 32 من الظهير الشريف رقم 376.58.1 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378(15 نوفمبر 1958) المشار إليه، فإن كل جمعية تتلقى الإعانات المذكورة تخضع بكيفية تلقائية لمراقبة المفتشية العامة للمالية. كما تخضع تطبيقا لأحكام القانون رقم 99.62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية ولاسيما منه المادتين 86 و154 إلى مراقبة المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات.
وتهدف هذه المراقبة طبقا للأحكام المذكورة إلى التأكد من أن استخدام الأموال العمومية التي تلقتها الجمعية يطابق الأهداف المحددة من قبلها. ويجب التذكير أيضا إلى أنه يتعين على الجمعيات التي تتلقى مساعدات أجنبية القيام بتصريح بذلك لدى الأمانة العامة للحكومة داخل أجل ثلاثين يوما كاملة ابتداء من تاريخ تلقي المساعدات المذكورة، وذلك تطبيقا لأحكام الفصل 32 مكرر من الظهير الشريف المشار إليه.
وكل جمعية معترف لها بصفة المنفعة العامة لا تحترم أحد هذه الالتزامات السالفة الذكر، يوجه إليها إعذار من أجل مطالبتها بتسوية وضعيتها وتنفيذ الالتزامات المذكورة مع إعطائها أجلا أقصاه ثلاثة أشهر. وإذا لم تستجب الجمعية المعنية لإعذار السيد العامل، يتعين على هذا الأخير أن يرفع تقريرا إلى الأمين العام للحكومة الذي يقوم بدوره بعرض القضية على السيد الوزير الأول لاتخاذ القرار المناسب في الموضوع بما في ذلك إمكانية سحب الاعتراف بصفة المنفعة العامة.
سادسا: صفة المنفعة العامة بين الواقع والنص القانوني
الحديث عن صفة المنفعة العامة بين الواقع والنص القانوني يحث علينا مناقشة إشكاليتين اثنتين أفرزتهما الأوضاع التي تعيشها بعض الجمعيات على الصعيد الوطني.
الحديث عن صفة المنفعة العامة بين الواقع والنص القانوني يحث علينا مناقشة إشكاليتين اثنتين أفرزتهما الأوضاع التي تعيشها بعض الجمعيات على الصعيد الوطني.
الإشكالية الأولى: تعقيد مسطرة الاستفادة من صفة المنفعة العامة
بسط المشرع هذه المسطرة وكما أشرنا إلى ذلك على الشكل التالي: «كل جمعية يمكن أن يعترف لها بصفة المنفعة العامة بمقتضى مرسوم بعد أن تقدم طلبا في الموضوع وتجري السلطة الإدارية بحثا في شأن غايتها ووسائل عملها. يجب أن يتم الرد عليه بالإيجاب أو الرفض، معللا في مدة لا تتعدى ستة أشهر تبتدئ من تاريخ وضعه لدى السلطة الإدارية المحلية»، لكن العديد من الفاعلين الجمعويين يعتبرون مسطرة الحصول على هذه الصفة تتطلب المرور عبر مسطرة قانونية معقدة وغير مبسطة واقعيا هذا إضافة إلى تملص الإدارة وتهربها عن أداء واجبها أو تحمل المسؤولية أو إخضاعها مسطرة الاستفادة لمنطق الحسابات السياسية للدولة فغالبا ما يرد برفض منح هذه الصفة للجمعيات بدعوى عدم اكتمال شروط الاستفادة.
الإشكالية الثانية: عدم التصريح بالحسابات لدى الأمانة العامة للحكومة
كما أشرنا إلى ذلك أعلاه، ففي مقابل الامتيازات التي تستفيد منها الجمعيات ذات المنفعة العامة، فإنها ملزمة برفع تقرير سنوي إلى الأمانة العامة للحكومة يتضمن أوجه استعمال الموارد التي حصلت عليها خلال كل سنة. لكن ما تم معاينته أن ليست كل الجمعيات ذات المنفعة العامة تصرح بحساباتها لدى الأمانة العامة للحكومة، ما يطرح التساؤل حول مدى إعمال القانون في بعض الحالات، وما السبب الذي جعل القانون يطبق في هذه الحالة على بعض الجمعيات دون الأخرى، ولماذا هذا الصمت تجاه هذا النوع من الممارسات؟
خاتمة
ما تم استخلاصه مما سبق أن على الدولة والمؤسسات المهتمة بالشأن الجمعوي وضع مساطر مبسطة وواضحة للاستفادة من صفة المنفعة العامة في إطار مقاربة تشاركية مع مختلف الفاعلين من الأمانة العامة للحكومة والفاعلين في المجتمع المدني والقطاعات الحكومية، إذ ليس من المعقول أن تستفيد جمعيات ذات نفوذ سياسية أو نخبوية مثلا أو جمعيات صديقة أو هادئة أو مطيعة التي تنقاد لأوامر بعض المسؤولين من عدة امتيازات وإهمال أخرى بدون مبرر وخاصة تلك الجمعيات الفتية التي تهتم بالتنمية المحلية في الأحياء والقرى والتي تسعى إلى تحقيق أهداف تنموية مختلفة لو توفرت لها الظروف المالية المناسبة.
المراجع:
- جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 12 / 09 / 2012
- موقع https://ar.nt3awnou.ma/
- الأمانة العامة للحكومة منشور رقم : 1 /2005 المتعلق بشروط ومسطرة الاعتراف بصفة المنفعة العامة لفائدة الجمعيات.
- موقع الأمانة العامة للحكومة http://www.sgg.gov.ma/arabe/Accueil.aspx
وللتعمق في الموضوع نقترح:
- منشور رقم : 1 /2005 المتعلق بشروط ومسطرة الاعتراف بصفة المنفعة العامة لفائدة الجمعيات.
- اشكالية توفر شرط الاعتراف للجمعيات بصفة المنفعة العامة في ابرام عقود الشراكات مع الجماعات الترابية
- المرسوم المتعلق بمنح صفة المنفعة العامة
ليست هناك تعليقات:
اكتب comments