السلام عليكم ورحمة
الله.
أهلا ومرحبا بكم.
ودائما في موضوع أسباب فشل العمل الجمعوي. وبعدما تحدثنا عن سببين من هذه الأسباب
في التدوينة الماضية، ها نحن اليوم سنتحدث عن سببين آخرين وهما:
- الأنانية وحب الذات
وغياب التطوع.
- حب السيطرة وممارسة
السلطة.
ثالثا: الأنانية وحب
الذات وغياب التطوع.
إن الجمعيات تنشأ لأجل
المنفعة وذات أهداف لا ربحية، فهي إذن تتطلب حضور مبدأ التطوع والتفرغ لها ولو على
حساب الوقت، أي من الضروري تخصيص وقت معين من الأوقات الثمينة لهذا العمل النبيل،
ليس رغبة في تحقيق الأرباح وتقسيمها أو انتظار الثناء والمدح من أحد، وإنما لأجل
هدفين اثنين لا ثالث لهما: أولهما، ابتغاء وجه الله تعالى وامتثال لأوامره في قوله
تعالى : {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، وثانيهما،
تنمية المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفي جميع الميادين، لأن المجتمع لا يمكن
له السير نحو الأمام إلا بتدخل من أبنائه، إذ من الغباوة أن ننتظر تنمية شمولية
لمجتمع ما بدون إرادة قوية من أفراده.
وإذا كان الأمر كذلك،
فهل مبدأ التطوع بكل ما تحمله الكلمة من معنى حاضر في مجتمعاتنا، فالجواب عن هذا
السؤال يختلف من مجتمع لآخر ومن شخص لآخر داخل نفس المجتمع حسب المستوى الثقافي
والتوعوي لكل فرد.
وإذا كان الأمر غير
ذلك، فما هي الأسباب التي جعلت التطوع يغيب داخل الجمعيات؟؟
- السبب الثاني الذي
يجعل التطوع غائبا عن الجمعيات هو التطوع من أجل المدح والثناء أي أن التطوع يستمر
بوجود المدح والثناء وينقطع بغيابهما، وأعتقد أن هذا الأمر خاطئ، صحيح أن من واجب
الجمعيات أن تقدر وتثني على أعمال المتطوعين من حين لآخر، لكن أن أحُدَّ من التطوع
بسبب عدم مدحي أو عدم الثناء علي أمر غير مقبول، لأن التطوع وفعل الخير عامة سواء
بالمال أو بأعمال أخرى لصالح الآخر (المجتمع)، من الشيم والخصال الحميدة التي
يتميز بها المسلم والذي لا يرجو إلا الأجر والثواب من الله، مصداقا لقول النبي صلى
الله عليه وسلم:{ مَنْ فَرَّجَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ
اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ
الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ
فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ}. فالمتطوع إذن يقوم بعمله التطوعي لأجل سببين،
كما أشرنا إلى ذلك سابقا، ابتغاء وجه الله تعالى ومن أجل مصلحة المجتمع والوطن
عامة.
فغياب التطوع داخل
الجمعيات يتعلق بنظرة الفرد نحو الجمعية والمجتمع بصفة عامة ويتعلق أيضا بمستواه
الفكري والثقافي وكذا حسب مدى حبه للعمل التطوعي.
ولتشجيع التطوع داخل
الجمعية أنصح بما يلي:
- تنظيم دورات ولقاءات
حول أهمية التطوع ودور المتطوعين داخل الجمعية.
- تشجيع المتطوعين
وتكريمهم خلال المناسبات والاحتفالات.
- الاستفادة والاقتداء
بتجارب الجمعيات الرائدة والتي وصلت بفعل تطوع أفرادها.
- إعطاء الفرص لكل من
أراد التطوع وعدم تصعيب الأمر عليهم.
رابعا: حب السيطرة وممارسة السلطة
لا شك أن هذا الأمر قد
تمت الإشارة إليه خلال حديثنا عن أسباب غياب المقاربة التشاركية داخل الجمعيات،
إلا أننا سنعاود الحديث عنه وذلك لسببين: أولهما كونه متفشيا في بعض المناطق وخاصة
الجبلية منها، وثانيهما كونه يشكل تهديدا خطيرا على استمرارية الجمعية.
إن السيطرة وحب ممارسة
السلطة صفة من صفات بعض الأفراد الذين
يتوهمون أنهم أصحاب القرارات المثلى وألا رجعة في أقوالهم وآرائهم. ونجد هؤلاء إما
أنهم:
- ذوي نفوذ عائلية،
ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، ويعتقدون أن الوضع ما زال كما كان عليه في العقود
السابقة من عدم الجهر بالقول أمامهم والإصغاء إليهم وقبول آرائهم... فيستغلون
سذاجة بعض الفئات من الناس ليضغطوا عليهم بقبول آرائهم وقراراتهم. فالأمر لم يعد
كذلك، فنحن في عصر مخالف تماما لما سبقه، صحيح أننا من واجبنا أن نكن لهم كل
الاحترام والتقدير، لكن أن تمارس علي سلطتك وتفرض علي أمرا فهذا ما لا أقبله،
فالتشاور والتحاور ومناقشة المواضيع بحكمة وتبصر من أساسيات التنمية والازدهار
والتقدم نحو الأمام. قال تعالى في سورة الشورى{ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }.
- ذوي نفوذ صداقة،
بمعنى أن بعض من يدعي أنه صاحب الرأي الأمثل ومرجعه القرار الأخير لهم أصدقاء سياسيين
أو حزبيين أو مخزنيين فيستغلون اللاوعي
والضعف المنتشران في مجتمعاتنا، وبالتالي يفعلون ما يشاؤون تحت التهديد
والترغيب.
هذا، ولمعالجة أسباب
ممارسة السلطة داخل الجمعية، نقترح ما يلي:
- محاولة إقناع
المتسلط بالتي هي أحسن، وكذا إقناع الناس بأن التبعية والانخضاع من خصائص الذل
والهوان وأن الاستقلالية والاعتماد على النفس تقوي الاعتزاز بالانتماء إلى
المجتمع.
- عقد لقاءات ومشاورات
يشترك فيها جميع الفئات حتى يتبن لهؤلاء المتسلطين أن اتخاذ القرار يشترك فيه
الجميع ولم يعد مقتصرا على فئة دون أخرى، وأن من أجل الاستمرارية والبقاء لا بد
على الإنسان أن يتقبل أخاه الإنسان وأن يقدره ويحترم رأيه كيفما كانت حالته
المادية والاجتماعية.
- قطع كل الروابط التي
تربط الجمعية بالسياسة وخاصة عند انعقاد الانتخابات، وعدم استغلالها للحملات
الانتخابية.
- إقناع الجميع أن الجمعية ليست لشخص واحد أو لشخصين، وإنما للجميع، فعلى
كل واحد أن يبدي برأيه وعلى المكتب المسير أن يأخذه بعين الاعتبار حسب الأولويات
والأهداف المسطرة. وأعتقد، وهذه وجهة نظري، أنه من الأحسن أن يستقيل الفرد من
جمعية لا تحترم الرأي الآخر ولا تراعي وجهات النظر وتأخذ فقط برأي شخص واحد.
ليست هناك تعليقات:
اكتب comments