لا جدال في أن العمل
الجمعوي يعتبر أحد الدعامات الاساسية للمجتمع ، و أهم محرك للمجتمع المدني ، وتعتبر
الجمعية أهم جهاز تنظيمي مقنن، يستطيع الإنسان المعاصر أن يخدم بواسطته مختلف قضايا
مجتمعه المدني، الاجتماعية و الثقافية والرياضية والتعليمية والمهنية والسياسية والاقتصادية...
لذلك فإن العمل الجمعوي يشكل عصب المجتمع المدني
والضامن لاستمراره وبقائه.
وقد أولى المشرع
المغربي عناية خاصة بالجمعية، من خلال إيجاد ترسانة قانونية توضح القواعد المحددة
لكيفية تأسيس الجمعيات وكيفية سيرها ومختلف التحولات التي قد تصادفها من خلال
حياتها، والغاية من ذلك بالأساس مساعدة هذا الإطار القانوني من أجل تحقيق أهدافه
والدفاع عن قضاياه الاجتماعية والثقافية والرياضية والتعليمية والمهنية والسياسية
والاقتصادية..
وهكذا نجد المشرع يحدد في الفصل الأول من ظهير 1958
المقصود بالجمعية بأنها " اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص
لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم"
ويستفاد من هذا
النص ما يلي:
أولا: أن تأسيس
أي جمعية يقتضي لزوما وجود اتفاق مسبق متمثلا في توافق إرادة شخصين أو عدة أشخاص
من أجل تأسيس هذا النظام القانوني.
ثانيا: أن هذا
الاتفاق، كما هو واضح من التعريف أعلاه، يقتضي وجود شخصين كحد أدنى لا يمكن النزول
عنه، فمن المعلوم أنه لا يمكن تصور الاتفاق بين شخص ونفسه، فضلا على أن الجمعية
تقتضي التعاون والتشاور وهذا لا يحصل إلا بين شخصين أو عدة أشخاص.
ثالثا: أن الغاية
من هذا الاتفاق الذي يجسده نظام الجمعية، هو التعاون المستمر بين أعضائه من أجل
تحقيق غايات إنسانية لا تمت بصلة بالجانب الربحي، فالهدف الرئيسي من تأسيس
الجمعيات هو تحقيق غايات إنسانية بالمقام الأول، وهذا ما يميز الجمعية عن الشركة التجارية،
فعنصر الربح هو الفاصل بينهما، ففي الوقت الذي تسعى فيه الشركة التجارية إلى تحقيق
أرباح فإن الجمعية تسعى إلى تحقيق أهداف إنسانية غير ربحية وإن كانت تعود بالربح
والنفع على المستفيدين منها فإن الربح لا يعتبر العنصر الأساسي من وراء تأسيسها.
وقد حدد المشرع في التعريف السابق بعض الآليات والوسائل التي يمكن الاعتماد عليها
في العمل الجمعوي، منها استخدام المعلومات المتوفرة لدى أعضاء ومكونات العمل
الجمعوي بالإضافة إلى التركيز على مختلف الأنشطة التي من شأنها أن تساعد في تحقيق
أهداف الجمعية.
من خلال ما سبق،
نصل إلى أن الجمعية عبارة عن مجموعة من الأعضاء تخضع لإطار قانوني وتنظيمي محدد
وتسعى إل تحقيق أهداف سامية مرسومة سلفا. ومن هنا يتضح بجلاء الأهمية التي يكتسيها
العمل الجمعوي في مجتمع اليوم، إذ أضحى يشكل دعامة من دعائمه من جهة، وعصب تتوقف
عليه حياة المجتمع المدني من جهة ثانية.
ولن نتوقف في
هذا الإطار عند التنظيم التشريعي للعمل الجمعوي ومختلف القواعد المحددة لتنظيم هذا
العمل القانوني، بل سنقف وقفة مركزة عند أسباب وعوامل نجاح العمل الجمعوي، إذ
الملاحظ أن أغلب الجمعيات تتخبط في أزمة فشل مستمر، ولم يسعفها الترميم والترقيع
الذي تجريه على أنظمتها الأساسية في تجاوز هذا الفشل الذي يقف عائقا أمام بلوغها لأهدافها
، لذا فقد شدني الفضول للوقوف على أسباب هذا
الفشل والتي ترجع بالأساس إلى عدم الالتزام بمجموعة من المبادئ التي يفرضها العمل
الجمعوي الجاد والفعال، وقد حاولت هنا أن أتعرض بالجمع لأهم الأسس والمبادئ التي
تساعد الجمعية في تجنب الفشل وتحقيق نجاحها ومن ثم بلوغ أهدافها وتحقيق النفع العام لها ولمحيطها.
وتتمثل هذه الأسس
في عشرة مبادئ لنجاح العمل الجمعوي ، نوضحها
بإيجاز وفق الشكل التالي:
المبدأ الاول ـ وضع برنامج واضح الاهداف قابل للتطبيق :
وهذه هي الخطوة الأولى المحددة لمسار العمل الجمعوي
ونطاق عمله واشتغاله ، وهي خطوة ينبغي أن تتسم بالوضوح التام، لا من حيث تحديد الأهداف
والمدة الزمنية لتحقيقها وما يتطلبه تحقيقها من موارد ونفقات ومصادر هذه النفقات وكيفية
تدبيرها وتسييرها. كما ينبغي وضع برنامج قابل للتطبيق بان يكون في مستطاع الجمعية تحقيقه فعلا على أرض الواقع، لا أن يكون برنامجا يجانب
الواقع ويتصل بالخيال. فالمطلوب ان يتم وضع الاهداف بدقة وتفادي العشوائية في العمل
. مع الاشارة الى ان الجمعية في الوقت الراهن مطالبة في برنامجها بامتلاك تصور استراتيجي
بعيد المدى للفعل التنموي الذي لا يرتهن للآني واللحظي بقدر ما يستند على تصور يتخذ
من التربية والتعليم مدخلا أساسيا له لتحقيق التنمية بالمنطقة.
المبدأ الثاني ـ التكافل والتعاون لبلوغ الاهداف المرجوة :
إن وضع برنامج واضح ودقيق ليس بالأمر الكافي بل
لابد ان يواكبه وعي واقتناع بأهداف الجمعية من طرف أعضائها و منخرطيها أولا ومن قبل
المحيط ومؤسسات الدولة التي ينبغي ان تواكب العمل الجمعوي وتساعده في تحقيق أهدافه
النبيلة . فالتكافل والتعاون مطلوب تكريسه
أولا من طرف الجسم الداخلي للجمعية (الاعضاء والمنخرطين والمستفيدين ...) ثم ان الجمعية
عليها الانفتاح على العالم الخارجي وألا تبقى منعزلة على نفسها. ثم إن هذا التكافل
والتعاون يقتضي أن يكون هناك اندماج فاعل بين مكونات الجمعية: اندماج تام يسوده التفاهم والتعاون
والتآلف والتآزر بعيدا عن الشنآن والصراعات
والحسابات الشخصية، بمعنى بسيط ينبغي ان يتحد الجميع ويقفوا وقفة رجل واحد لتحقيق
الأهداف والغايات الإنسانية النبيلة للجمعية .
المبدأ الثالث ـ
تحديد طرق واضحة للتمويل والتدبير المالي:
(الشفافية
في عرض كيفية التمويل والتدبير المالي )
في الواقع ان مسألة التمويل والتدبير المالي تعتبر
من أهم الإشكالات والمعيقات التي تواجه العمل الجمعوي ، غير أن هذا لا يعتبر كافيا
للوقوف دون استمرار الجمعية في عملها ، بل ينبغي الانكباب على التفكير في وسائل التمويل
المتاحة وخلق وتوفير الموارد المالية واستغلالها وتدبيرها بكيفية معقلنة، والتعرف على
الإكراهات والعوائق التي قد تحول دون تحقيق النتائج المتوخاة وكدا توفير التجهيزات
والإمكانيات الضرورية للاشتغال ؛ فقد ثبت في الواقع أن هناك جمعيات استطاعت أن تصل وتحقق تمويلا كافيا لتحقيق أهدافها لأنها أحسنت
التدبير والتزمت بالشفافية في عرض كيفية تمويلها وتدبيرها لمشاريعها وانفتاحها على
المحيط الداخلي والخارجي.
لهذا ينبغي البحث والتفكير عن مصادر التمويل الكافية
و تحديد الحاجيات المادية والبشرية للعمل وبذل
الجهد للتغلب على الإكراهات المادية والانفتاح
على المحيط الداخلي والخارجي وخلق شراكات
مع القطاعين العام والخاص لتفعيل مشاريع
الشباب ، مع الإشارة الى الدور المهم المنوط بمؤسسات الدولة التي ينبغي ان تضطلع بدورها
في هذا الجانب وتساهم في تمويل الجمعيات بطرق
موضوعية مع إعطاء أهمية للجمعيات الشابة .
المبدأ الرابع ـ إسناد مهام القيادة للعناصر المؤهلة لهذه المهام والتي لها من القدرة الكافية على التسيير والتدبير والسهر على تحقيق النفع العام للجميع:
المبدأ الخامس ـ احترام النظام الأساسي للجمعية والسهر على عقد الجموع العامة في إبانها :
وكذا إنجاز التقارير
الأدبية والمالية وتغيير الأعضاء عند الاقتضاء وضم أعضاء جديدة واتخاد كل الخطوات التي
من شأنها ان تقرب الجمعية من تحقيق أهدافها .
والواقع ان كتير من الجمعيات تخل بهذا المبدأ،
فتخرق الأنظمة الأساسية ولا تنعقد الجموع العامة ويبقى الجمود هو السمة الأساسية للفعل
الجمعوي ، لدا ينبغي الحرص على احترام النظام الأساسي و الوفاء بالعهد والالتزام بالمواعيد
من خلال العمل خلال مواعد محددة تحترم من طرف الجميع والوفاء بالوعود ان التزم بها عضو من الأعضاء وكذا الحضور الدائم والمستمر للمسؤول عن تطبيق البرامج
أو التسيير، وسيكون من نتائج ذلك ظهور الجمعية
نشيطة وفاعلة مما يزرع ثقة المحيط الداخلي
والخارجي فيها وهو ما يضمن لها تحقيق أهدافها.
المبدأ السادس ـ الحرص على تكريس مبادئ التشاور والتكافل والتعاون والتآزر :
فالجمعية تقتضي التعاون المستمر المبني على التكافل والتآزر والتراحم بين الأعضاء والمنخرطين والمستفيدين
من أجل تحقيق أهدافها . وهدا يقتضي تفادي القرارات الاحادية الجانب، وتكريس مبدأ الاستشارة،
واخد رأي الجميع قبل اتخاد أي قرار، و تجاوز الفردانية والانفتاح على الجماعة في إطار
عمل جماعي فعال مبني على التشاور والنقد الفعال وقبول الراي الاخر .
فنجاح العمل الجمعوي رهين بتكريس ثقافة الحوار وتبديد
مكامن الخلاف بين مكونات الجمعية والتقريب بين وجهات النظر المختلفة واختيار ما يحقق
النفع والصالح العام للجمعية، وإلى جانب ذلك لابد من مأسسة العمل وتجاوز الفردانية بمعنى ان العمل الجمعوي
يجب ان يستمر ولو غاب الأشخاص.
المبدأ السابع ـ
التفاني والبدل والتضحية اللامشروطة والجهد الدؤوب الطموح الذي لا ينقطع، والذي لا
يخضع للمناسبات ومزاج شخص او أشخاص معينين :
إن العمل الجمعوي عمل سام انساني رفيع يحمل في طياته
كل المبادئ السامية التي تحكم الانسانية ،
نظرا لأهدافه النبيلة التي لا تمت بصلة بالربح ، لهدا فإن العمل الجمعوي يقتضي التفاني
والبذل والتضحية اللامشروطة والجهد الدائم
، وهو يتنافى مع اللحظية والفكر المناسباتي
السائد لدى أغلب الجمعيات حيث لا تحضر الجمعية إلى الذهن الا بحلول مناسبة من المناسبات
وتنسى بعد دلك
.
ان نجاح العمل الجمعوي يقتضي لزوما طي هذدا الواقع
والتعامل مع الجمعية بتفان وتضحية على أساس أنها عمل مستمر على الدوام لا يخضع للمناسبات
. بل المطلوب من الفاعل الجمعوي أن يتسم بروح المبادرة الواعية والتحرك الخاص في سبيل تحقيق أهداف الجمعية
والصالح العام.
المبدأ الثامن ـ الإكثار والزيادة من الحصص الزمنية المخصصة لنشاط الجمعية :
الملاحظ
أن أنشطة أغلب الجمعيات تكاد تعد بعدد الأصابع ، أنشطة قليلة جدا ان لم نقل
منعدمة، لا تتناسب مع البرامج المسطرة والأهداف المراد تحقيقها ، وهذا الوضع له أثر
كبير في فشل الجمعية التي تضمحل ويحكم عليها
من طرف من أسسها بالانقضاء من حيث لا يدرون ولا يشعرون ؟؟.
فالمطلوب إذن أمام هذا الوضع هو إعادة الحياة الى
الجسم الجمعوي من خلال الإكثار من الأنشطة
والزيادة من حصصها الزمنية، والحرص على
تنويع هذه الأنشطة وتجديدها لتلقى القبول
من المستفيدين منها وتحظى باهتمامهم و متابعتهم .
المبدأ التاسع ـ
الوعي بتقييم المشاريع والتجارب السابقة وإعادة النظر فيها :
إن التجارب السابقة تمدنا بكثير من المعطيات التي
يمكن استغلالها وتوظيفها في المشاريع الحالية والمستقبلية ، كما تمد العمل الجمعوي
بمزيد من الثقة للإقدام الى الأمام بخطوات ثابتة . لذلك فان تقييم المشاريع والتجارب
السابقة يكتسي أهمية كبرى، فهو من جهة عرض للمنجزات التي تم تحقيقها ، ووقوف عند المشاريع التي تحتاج الى مزيد من الجهد
والعمل لتحقيقها ، وإعادة النظر في الأساليب
واستراتيجيات العمل المعتمدة فيها والتي
لم تسفر عن نتائج ايجابية ، كل ذلك من أجل
السير في الاتجاه الصحيح الذي يقود الجمعية الى الوصول الى أهدافها وغاياتها.
المبدأ العاشر ـ خلق قنوات بين الشباب للتواصل وتقاسم القضايا والمشاكل بينهم:
من بين المهام الرئيسية التي ينبغي الحرص و السهر
عليها من طرف المسؤولين عن تدبير وتسيير
الشأن الجمعوي، خلق قنوات التواصل بين الشباب لمناقشة قضاياهم ومشاكلهم والبحث عن الحلول
لها . فالملاحظ أن أغلب الجمعيات تجهل هذا المبدأ أو بالأحرى تغض الطرف عنه ، وتكون النتيجة صادمة متمثلة في وجود مساحات شاسعة
بين الأعضاء والمنخرطين والمستفيدين والمحيط .
إن الجمعية في الوقت الراهن مطالبة بالانفتاح على
الشباب وخلق قنوات التواصل والحوار بينهم لمعالجة مختلف القضايا والإشكالات المطروحة
، وستكون النتيجة عظيمة إذا ما تم الحرص على تنظيم لقاءات دورية في مواعيد محددة لمناقشة القضايا ذات الصلة ببرنامج وأهداف الجمعية
.
هذه كانت بعض من
الإشارات والتلميحات للرقي بالعمل الجمعوي إلى المستوى المنتظر منه حتى يقوم بدوره
الهام والفعال، باعتباره أحد الدعائم والركائز الأساسية في المجتمع المعاصر.
ومسك الختام أن
الحمد لله رب العالمين.
يوسف الرحموني، طالب باحث حاصل على ماستر في القانون المدني من جامعة الحسن
الثاني بالدار البيضاء،
عن موقع http://www.marocdroit.com/
كيف انسحب من السانديك تأسيسي يناديك جديد
ردحذف